الاثنين، 27 ديسمبر 2010

تدوينة العزة في ذكرى حرب غزة (2)

ذكريات عن أيام العدوان:

أذكر أنه في بداية هذه العملية الاسرائيلية علي غزة قام أحد المهتمين بدعم الشباب العربي وتنمية فكرهم وصاحب كتاب :"تأكيد الذات" أ.د مصطفي السعدني ..."أستاذ بكلية الطب بجامعة الاسكندرية" بحث الجميع علي كتابة الخواطر عن قضية فلسطين بعد بدءالعدوان الاسرائيلي وكانت هاتان الخاطرتان مما كتبته يومها :

الخاطرة الأولى :

(صغير ولكن !)

في زيارة طفل فلسطيني مصاب بمستشفي مصري)

دخلت عليه

نظرت إليه

ملاك برئ

وفي عيونه.....

صقر جرئ

قربت منه وقلت أواسيه

لقيت ابتسامته مقابلاني

بتحضني

محاوطاني

ولقيت جروحه قدامي

بتكوي قلبي...

وتلوم عجزي وهواني

سألني......

ليه الدمع في عيونك؟!

أجبته.....

أصل جرحي أذاني

جرح العجز يا ولدي غلب جروحك قدامي.

يا عم....

قتلوا أبويا وأعمامي

وهدموا بيتي وأحلامي

لكن هرجع

هرجع لوطني وبلادي

وهرجَّع أرض أجدادي.

أصبحت يتيم يا ولدي

عش في وسط أولادي.

هكون يتيم يا عمي

لو ضاعت أرضي وبلادي.

راجع....

راجع لسماها وبحارها

راجع لترابها وأحجارها.

راجع لهواها وأشجارها.

راجع......

وهرجَّع بحصاها شرفها.

وهرسم ضحكة علي شفاهها.

وهمسح بيديَّ دموعها.

وهداوي آلامها وجروحها.

راجع.......

وهعزف بعودي علي ضفافها

أحلي غنوة تفرحها.

وهستني قدوم الفجر..

.. مع عصافيرها وأطيارها.

وهستني قدوم الشمس.....

تغسل ليلها وظلامها.

هيقتلوك يا ولدي..

يبقي شهادة بنطلبها

ويلامس جسدي جسدها

ويذوب عشقي في ترابها.

جيت أواسيك يا ولدي

لقيت كلامك واساني

وخفف عني ونساني

آلام عجزي وأحزاني.

وبشرني بجيل جديد

هيرجَّع قدسنا تاني

الخاطرة الثانية:

فلسطين تتحدث عن نفسها

ظنَّ الأعادي بيَ الرَّدي مبشرين

بحتفِي القريب وهلاكي المُبين

وجهَّزوا الأكفانَ منتظرين

أن يخمدَ الموتُ صيحاتِ الأنين.

مرَّت سنونٌ, مرَت عقودٌ .

مرَ الزمان يطوي السنين.....

خمدَ الأنين.

تهللتْ وجوهُ الغاصبين

دخلوا عليََََّ مستبشرين.

طارتْ عقولُ الظالمين

شابتْ رؤوسُ الفاجرين

هوتْ أجسادُ المجرمين

قد زالَ الجرحُ.......

فخمدَ الأنين

فأقبلُوا متسائلين :أحقٌ هذا؟!

أم نحن من المُسَحَّرين؟

أبعدَ النزفِ والطعنِ الأليمِ؟!

أبعدَ الموتِ تستفيقين؟!

فَعَلا صوتي القويُّ المتينُ

وعانقَ سيفِي رقابَ الصاغرين

أيها الصُهيونيُّ اللعينُ

أفُلا أنبئك بخبرٍ يقين؟

أنا الدرُّ في أعينِ الطامعين

أنا الأرضُ لم تَسَعْ رفاتَ المعتدين.

أنا الأم سرَّها نسلٌ كريمٌ

أصبحوا غزيً , أمسوا ساجدين.

أنا للرسلِ وطنٌ..قبلةٌ..دينٌ.

أنا للعزمِ نبعٌ. فهل تراني ألين؟

سل الأرضَ والدهرَ .سل الأولين.

سل البحرَ والحجرَ.سل الشاهدين.

سل عن فرسٍ......عن صليبيين.

سل عن مغولٍ ......آثمين.

هل كانوا يوماً باقين؟

أم كانوا دوماً هالكين؟

مُنِِحتُ العزةَ فلا أستكين

مُنحتُ الخلودَ ليومِ الدين.

ولو طالَ ليلٌ أليمُ حزينٌ

تشرقُ شمسي ولو بعد حين.

ويسطع نجمي بسماءِ الناظرين

وأبقي دوماً.........

فلسطين.

تدوينة العزة في ذكري حرب غزة (1)

أشكر الصديقة رحاب الخضري صاحبة مدونة :"فتافيت ربع قرن" علي دعوتها لجميع المدونين لتوحيد التدوين
عن غزة في هذا اليوم الذي يصادف الذكرى الثانية لعملية الرصاص المصبوب الاسرائيلية علي غزة.
وبما أن العظماء نادراً ما تستطيع أن توفيهم قدرهم بأي حديث إذن لن يتمكن أي كلام من أن يوفي أهلنا في غزة قدرهم . دوماً نضرب المثل باليابانيين أنهم استطاعوا تخطي أزمة هيروشيما وناجازاكي وأعادوا بناء دولتهم لتصبح من أقوي الدول في العالم الآن في الاقتصاد وغيره. ولكن اليابانيين تعرضوا للدمار مرة واحدة صحيح أنه كان دماراً فائقاً أتي على الأخضر واليابس لفترة طويلة إلا أن أهلنا في فلسطين يتعرضون للدمار كل يوم وكل ثانية و في كل مرة بعد أن تتحول الأرض لجثة هامدة يحيوها مرة أخري بدمائهم الذكية الطاهرة بإرادتهم للحياة ،بإيمانهم بالخالق وأنه لن يضيعهم فتجد الأرض اهتزت وربت وأنبتت رجالاً وشباباً وأطفالاً قلما تجود بهم أرحام النساء. أقدر مقدار الحزن والألم الذي يعتصر قلب كل أم ثكلى وطفل يتيم وشاب ورجل أسير . أقدر مقدار لوعة الفراق الذي تجرعه جميع الأهل في غزة. أقدر مقدار الخوف في عيني طفل برئ وجد بيته مهدماً أمام ناظريه وألعابه محطمة يغطيها تراب بيته مصدر الأمان. لكني علي يقين بأن هذا هو وقود إرادة الحياة والحرية الذي يزداد اشتعاله كل يوم ليصبح ناراً تلتهم كل من حاول كسر إرادة وأنف شعب يقدس الحياة. وفي هذه الذكري لن نواسي أهلنا في فلسطين بل هو احتفال بصمودهم إلي اليوم . "إن تكونوا تألمون فإنهم يألمون كما تألمون وترجون من الله ما لا يرجون" صدق الله العظيم.

الأحد، 26 ديسمبر 2010

إنها الحياة!

أحب من الشتاء هذه الأيام حيث لا يتساقط المطر بغزارة ولا تزمجر الرياح الشديدة

فقط هناك هذا الجو البارد المنعش .

بعد يوم حافل بالعمل فضلت السير إلي المنزل بدلاً من ركوب تاكسي فقد جاء الليل والمحال التجارية في أوج نشاطها

والناس كثر وأنا أحب السير وسطهم .

الطريق مثلما يمتلئ بالمحال التجارية يمتلئ أيضاً بالمستشفيات العامة ومحال المأكولات السريعة والمطاعم

شعرت وأنا أنظر إلي وجوه السائرين كأنني داخل فيلم وثائقي ربما لكنه من طراز خاص يجمع بين الماضي والحاضر

يجمع كل الأزمنة والأحداث المتناقضة معاً في شاشة واحدة يتحرك فيها جميع الأبطال كل له شأنه

ولا يتأثر بالآخر ...

بوتقة يجتمع فيها أول المشهد مع آخره في كل لحظة

وجدت نفسي أتنقل ببصري بين :

ضحكات طفل يلهو وهو يسير مع والديه

يستقبل الحياة

مازال في بداية الدرج يتعلم الصعود

أبسط الأشياء كقطعة من الآيس كريم أو لعبة جديدة قد تزيد من فرحة هذا القلب الصغير .

رجل عجوز قد تجاوز السبعين ربما

تبدو علي ملامح وجهه الفضيلة والوقار

يمشي منحنياً

متكئاً علي عصاه

يحاول عبور الطريق

يتمني لو ساعده أحد المارة

أو رأف بحاله هذا الشاب الذي يسير بسيارته مسرعاً ، يريد اللحاق بكل متع الدنيا غير آبه بأحد.

يتنهد بعمق

فشريط حياته المصور يمر أمام ناظريه الآن.

أخذت بيده ليتمكن من العبور فقد كنت أستعد أنا أيضاً لعبور الجهة الأخري من الشارع

نظر إلي بامتنان ومضي يسير بخطواته البطيئة في نفس طريقي

اتجه كل منا إلي وجهته.

موكب سيارات مزينة تحتفل بزفاف عروسين

الزغاريد والبهجة تملأ المكان

وصوت الكاسيت يدوي في المكان.

وعلي الجانب الآخر من الطريق

دموع وصراخ لسيدة تقف أمام احدي المستشفيات

أفقدها الموت احد أحبائها فجأة.

فقدت وعيها حين رأته أمامها في ثوبه الأبيض مغطي به حتي أخمص قدميه.

ذكرتني بعقد قران كنت قد دعوت إليه منذ عدة أيام

نفس المهنئين كانوا يواسون الأب منذ عدة شهور في موت ابنته الأخري.

أبطأت سيارات موكب العروسين من سرعتها وسكنت الزغاريد تضامناً مع هذه الأم الحزينة

وبعد عدة أمتار ارتفعت من جديد .

تأثرت بهذه السيدة وكادت الدموع تنحدر مني

رأيت العجوز يقف بالقرب منها مردداً :

إنا لله وإنا إليه راجعون.

بعد فترة من السير انجذب انتباهي لهذه الألوان البراقة في محال الملابس ،

الموضة هذا الشتاء هو ذلك اللون الرائع الذي أعشقه

اختلست النظر من بعيد علي استحياء

مشهد السيدة مازال أمام ناظري وأشعر بالارهاق بعد هذا اليوم الطويل من العمل .

اقتربت من فاترينة احدي المحلات

قلت لا بأس بنظرة سريعة خاطفة

قابلني العجوز

ينظر إلي وقد ترفق بي مما رآه من حمرة الخجل علي وجهي

ابتسم ابتسامة حنونة

وقال :

إنها الحياة!