الاثنين، 27 ديسمبر 2010

تدوينة العزة في ذكرى حرب غزة (2)

ذكريات عن أيام العدوان:

أذكر أنه في بداية هذه العملية الاسرائيلية علي غزة قام أحد المهتمين بدعم الشباب العربي وتنمية فكرهم وصاحب كتاب :"تأكيد الذات" أ.د مصطفي السعدني ..."أستاذ بكلية الطب بجامعة الاسكندرية" بحث الجميع علي كتابة الخواطر عن قضية فلسطين بعد بدءالعدوان الاسرائيلي وكانت هاتان الخاطرتان مما كتبته يومها :

الخاطرة الأولى :

(صغير ولكن !)

في زيارة طفل فلسطيني مصاب بمستشفي مصري)

دخلت عليه

نظرت إليه

ملاك برئ

وفي عيونه.....

صقر جرئ

قربت منه وقلت أواسيه

لقيت ابتسامته مقابلاني

بتحضني

محاوطاني

ولقيت جروحه قدامي

بتكوي قلبي...

وتلوم عجزي وهواني

سألني......

ليه الدمع في عيونك؟!

أجبته.....

أصل جرحي أذاني

جرح العجز يا ولدي غلب جروحك قدامي.

يا عم....

قتلوا أبويا وأعمامي

وهدموا بيتي وأحلامي

لكن هرجع

هرجع لوطني وبلادي

وهرجَّع أرض أجدادي.

أصبحت يتيم يا ولدي

عش في وسط أولادي.

هكون يتيم يا عمي

لو ضاعت أرضي وبلادي.

راجع....

راجع لسماها وبحارها

راجع لترابها وأحجارها.

راجع لهواها وأشجارها.

راجع......

وهرجَّع بحصاها شرفها.

وهرسم ضحكة علي شفاهها.

وهمسح بيديَّ دموعها.

وهداوي آلامها وجروحها.

راجع.......

وهعزف بعودي علي ضفافها

أحلي غنوة تفرحها.

وهستني قدوم الفجر..

.. مع عصافيرها وأطيارها.

وهستني قدوم الشمس.....

تغسل ليلها وظلامها.

هيقتلوك يا ولدي..

يبقي شهادة بنطلبها

ويلامس جسدي جسدها

ويذوب عشقي في ترابها.

جيت أواسيك يا ولدي

لقيت كلامك واساني

وخفف عني ونساني

آلام عجزي وأحزاني.

وبشرني بجيل جديد

هيرجَّع قدسنا تاني

الخاطرة الثانية:

فلسطين تتحدث عن نفسها

ظنَّ الأعادي بيَ الرَّدي مبشرين

بحتفِي القريب وهلاكي المُبين

وجهَّزوا الأكفانَ منتظرين

أن يخمدَ الموتُ صيحاتِ الأنين.

مرَّت سنونٌ, مرَت عقودٌ .

مرَ الزمان يطوي السنين.....

خمدَ الأنين.

تهللتْ وجوهُ الغاصبين

دخلوا عليََََّ مستبشرين.

طارتْ عقولُ الظالمين

شابتْ رؤوسُ الفاجرين

هوتْ أجسادُ المجرمين

قد زالَ الجرحُ.......

فخمدَ الأنين

فأقبلُوا متسائلين :أحقٌ هذا؟!

أم نحن من المُسَحَّرين؟

أبعدَ النزفِ والطعنِ الأليمِ؟!

أبعدَ الموتِ تستفيقين؟!

فَعَلا صوتي القويُّ المتينُ

وعانقَ سيفِي رقابَ الصاغرين

أيها الصُهيونيُّ اللعينُ

أفُلا أنبئك بخبرٍ يقين؟

أنا الدرُّ في أعينِ الطامعين

أنا الأرضُ لم تَسَعْ رفاتَ المعتدين.

أنا الأم سرَّها نسلٌ كريمٌ

أصبحوا غزيً , أمسوا ساجدين.

أنا للرسلِ وطنٌ..قبلةٌ..دينٌ.

أنا للعزمِ نبعٌ. فهل تراني ألين؟

سل الأرضَ والدهرَ .سل الأولين.

سل البحرَ والحجرَ.سل الشاهدين.

سل عن فرسٍ......عن صليبيين.

سل عن مغولٍ ......آثمين.

هل كانوا يوماً باقين؟

أم كانوا دوماً هالكين؟

مُنِِحتُ العزةَ فلا أستكين

مُنحتُ الخلودَ ليومِ الدين.

ولو طالَ ليلٌ أليمُ حزينٌ

تشرقُ شمسي ولو بعد حين.

ويسطع نجمي بسماءِ الناظرين

وأبقي دوماً.........

فلسطين.

تدوينة العزة في ذكري حرب غزة (1)

أشكر الصديقة رحاب الخضري صاحبة مدونة :"فتافيت ربع قرن" علي دعوتها لجميع المدونين لتوحيد التدوين
عن غزة في هذا اليوم الذي يصادف الذكرى الثانية لعملية الرصاص المصبوب الاسرائيلية علي غزة.
وبما أن العظماء نادراً ما تستطيع أن توفيهم قدرهم بأي حديث إذن لن يتمكن أي كلام من أن يوفي أهلنا في غزة قدرهم . دوماً نضرب المثل باليابانيين أنهم استطاعوا تخطي أزمة هيروشيما وناجازاكي وأعادوا بناء دولتهم لتصبح من أقوي الدول في العالم الآن في الاقتصاد وغيره. ولكن اليابانيين تعرضوا للدمار مرة واحدة صحيح أنه كان دماراً فائقاً أتي على الأخضر واليابس لفترة طويلة إلا أن أهلنا في فلسطين يتعرضون للدمار كل يوم وكل ثانية و في كل مرة بعد أن تتحول الأرض لجثة هامدة يحيوها مرة أخري بدمائهم الذكية الطاهرة بإرادتهم للحياة ،بإيمانهم بالخالق وأنه لن يضيعهم فتجد الأرض اهتزت وربت وأنبتت رجالاً وشباباً وأطفالاً قلما تجود بهم أرحام النساء. أقدر مقدار الحزن والألم الذي يعتصر قلب كل أم ثكلى وطفل يتيم وشاب ورجل أسير . أقدر مقدار لوعة الفراق الذي تجرعه جميع الأهل في غزة. أقدر مقدار الخوف في عيني طفل برئ وجد بيته مهدماً أمام ناظريه وألعابه محطمة يغطيها تراب بيته مصدر الأمان. لكني علي يقين بأن هذا هو وقود إرادة الحياة والحرية الذي يزداد اشتعاله كل يوم ليصبح ناراً تلتهم كل من حاول كسر إرادة وأنف شعب يقدس الحياة. وفي هذه الذكري لن نواسي أهلنا في فلسطين بل هو احتفال بصمودهم إلي اليوم . "إن تكونوا تألمون فإنهم يألمون كما تألمون وترجون من الله ما لا يرجون" صدق الله العظيم.

الأحد، 26 ديسمبر 2010

إنها الحياة!

أحب من الشتاء هذه الأيام حيث لا يتساقط المطر بغزارة ولا تزمجر الرياح الشديدة

فقط هناك هذا الجو البارد المنعش .

بعد يوم حافل بالعمل فضلت السير إلي المنزل بدلاً من ركوب تاكسي فقد جاء الليل والمحال التجارية في أوج نشاطها

والناس كثر وأنا أحب السير وسطهم .

الطريق مثلما يمتلئ بالمحال التجارية يمتلئ أيضاً بالمستشفيات العامة ومحال المأكولات السريعة والمطاعم

شعرت وأنا أنظر إلي وجوه السائرين كأنني داخل فيلم وثائقي ربما لكنه من طراز خاص يجمع بين الماضي والحاضر

يجمع كل الأزمنة والأحداث المتناقضة معاً في شاشة واحدة يتحرك فيها جميع الأبطال كل له شأنه

ولا يتأثر بالآخر ...

بوتقة يجتمع فيها أول المشهد مع آخره في كل لحظة

وجدت نفسي أتنقل ببصري بين :

ضحكات طفل يلهو وهو يسير مع والديه

يستقبل الحياة

مازال في بداية الدرج يتعلم الصعود

أبسط الأشياء كقطعة من الآيس كريم أو لعبة جديدة قد تزيد من فرحة هذا القلب الصغير .

رجل عجوز قد تجاوز السبعين ربما

تبدو علي ملامح وجهه الفضيلة والوقار

يمشي منحنياً

متكئاً علي عصاه

يحاول عبور الطريق

يتمني لو ساعده أحد المارة

أو رأف بحاله هذا الشاب الذي يسير بسيارته مسرعاً ، يريد اللحاق بكل متع الدنيا غير آبه بأحد.

يتنهد بعمق

فشريط حياته المصور يمر أمام ناظريه الآن.

أخذت بيده ليتمكن من العبور فقد كنت أستعد أنا أيضاً لعبور الجهة الأخري من الشارع

نظر إلي بامتنان ومضي يسير بخطواته البطيئة في نفس طريقي

اتجه كل منا إلي وجهته.

موكب سيارات مزينة تحتفل بزفاف عروسين

الزغاريد والبهجة تملأ المكان

وصوت الكاسيت يدوي في المكان.

وعلي الجانب الآخر من الطريق

دموع وصراخ لسيدة تقف أمام احدي المستشفيات

أفقدها الموت احد أحبائها فجأة.

فقدت وعيها حين رأته أمامها في ثوبه الأبيض مغطي به حتي أخمص قدميه.

ذكرتني بعقد قران كنت قد دعوت إليه منذ عدة أيام

نفس المهنئين كانوا يواسون الأب منذ عدة شهور في موت ابنته الأخري.

أبطأت سيارات موكب العروسين من سرعتها وسكنت الزغاريد تضامناً مع هذه الأم الحزينة

وبعد عدة أمتار ارتفعت من جديد .

تأثرت بهذه السيدة وكادت الدموع تنحدر مني

رأيت العجوز يقف بالقرب منها مردداً :

إنا لله وإنا إليه راجعون.

بعد فترة من السير انجذب انتباهي لهذه الألوان البراقة في محال الملابس ،

الموضة هذا الشتاء هو ذلك اللون الرائع الذي أعشقه

اختلست النظر من بعيد علي استحياء

مشهد السيدة مازال أمام ناظري وأشعر بالارهاق بعد هذا اليوم الطويل من العمل .

اقتربت من فاترينة احدي المحلات

قلت لا بأس بنظرة سريعة خاطفة

قابلني العجوز

ينظر إلي وقد ترفق بي مما رآه من حمرة الخجل علي وجهي

ابتسم ابتسامة حنونة

وقال :

إنها الحياة!

الأربعاء، 20 أكتوبر 2010

الآخر!

عندما نقرر الخروج من قوقعة واقعنا و محيطنا الادراكي للاحتكاك بالعالم الخارجي فلابد أن نتلقي العديد من الصدمات
المتعلقة بالتعامل مع الآخر الذي يختلف عنا بطبيعته في أفكاره وقيمه ومبادئه وأخلاقياته وطريقة إدراكه للأمور .
والخروج للعالم الخارجي والاحتكاك بالناس وبالآخر ليس خياراً مطروحاً بل هو ضرورة تفرض نفسها وتحدث رغماً عنا
حتي لو كنا نفضل عدم الاحتكاك....فمن لا يريد التعامل مع الآخرين لأنه يبغض سلوكهم فعليه أن يغادر إلي كوكب آخر
لا يوجد به بشر علي الاطلاق!
إذن فالاحتياج للتعامل مع الآخرين غريزة وضرورة ولابد إذن من فهم طبيعة غيرنا وطبيعتنا لكي نفهم طبيعة أي خلافات قد تنشأ بيننا.
ولست في حاجة لأن أذكر أن كثيراً منا يفشل في علاقاته مع الآخرين سواء كانت زوجته أو رئيسه أو مرؤوسيه أو أبناءه أو أصدقاءه
بسبب أنه يتوقع أن الجميع مثله وأنهم لابد أن يسيرون علي خطاه ومنهاجه ومبادئه وهذا لن يحدث أبداً لن لكل منا قوانينه ولكل منا نظرة مختلفة إلي العالم الذي نعيش فيه.
ليست المشكلة في الاختلاف مع من نستطيع إنهاء علاقاتنا بهم لكن المشكلة تكمن في العلاقات السيئة مع من تفرض علينا الظروف أن نتعامل معهم لفترات طويلة.
ففي هذه الحال لابد أن نسعي جاهدين للوصول إلي حل وإلي نقطة في وسط الطريق نلتقي عندها وإلا أصيب أحد الطرفين
أو كلاهما بالتعاسة الحتمية!
هناك الآن العديد من المؤلفات التي تساعدنا علي الاتصال الصحيح مع الآخرين ولست بصدد الحديث عن أي طرق منها لأني لست متخصصة في هذا المجال لكن ذكرت ذلك لأني وجدت رابطاً بين أسباب كثير من المشاكل التي تنشأ بيننا أثناء عملية الاتصال وأورد هنا بعضاً منها:
** نتوقع دوماً أن الآخر لابد أن يكون كاملاً في تصرفاته وليس مسموحاً له أن يخطئ بحقنا ولو اعتذر ولا نلتمس له أي عذر مع أننا في لحظات الغضب قد نؤذي غيرنا وإذا عاتبونا نبرر بأننا لم نكن نعي ما نفعل.
**دائماً نبحث عن الأخطاء التي يرتكبها الآخر ونغفل أن نري أخطاءنا فنقع في نفس ما نتهم به الآخر دون أن ندري ! كم من مرة
وجدت نفسك مناقضاً لما تدعو له ! إنها طبيعة بشرية -الخطأ- وبما أني أخطأت في غفلة فلابد أن أغفر للآخر عندما ينسي ويقع في هذا الخطأ.
** ما المانع أن أنبه المخطئ بأسلوب راقي بعيداً عن سمع الآخرين لأحفظ لها ماء وجهه؟! وإذا كرر الخطأ فلنتصرف بحزم لكن أتحدث عن أننا دوماً ما نظن الظنون بالمخطئ ولا نفكر في مناقشته حتي عن الدافع وراء تصرفه فربما قصد خيراً وأسأنا نحن الفهم أو أنه من وجهة نظره وتبعاً لمفاهيمه لم يظن أن هذا التصرف سيغضب الطرف الآخر.
** دوماً نرسم صورة الملاك أو الشيطان في علاقتنا بالناس فإذا نشب خلاف مع أحدهم نرسم له صورة الشيطان الذي لم يأت بحسنة واحدة في حقنا يوماً ما وهذا خطأ فلابد أن نفرق بين الشخص وبين تصرفه "أحب الناس وأكره أفعالهم" .
**نلوم المخطئ إذا أخطأ ولا نمتدحه إذا فعل صواباً!
وكنتيجة حتمية لما سبق نحاول دوماً تطبيق مقولة "ن لم تكن معي فأنت ضدي"فإذا فشلت علاقتي بانسان ما فلابد أن يكرهه محيطي مثلما أكرهه وإلا انقلبت إلي عدائهم أيضاً!
فالمسؤول الذي اعتاد توبيخ الموظفين الجدد
علي سبيل المثال ومحاولة اقناعهم بأنهم فاشلون ومستهترون سيكسب عداءهم بلاشك حتي لو كان عداءًخفياً ويتسبب في كرههم للعمل
وسيؤثر علي سير العمل لأنهم سيعادون كل موظف آخر علي وفاق معه.
ولكن إذا رحم ضعفهم واتبع أسلوب النصح الراقي والصبر عليهم فلابد أن النتيجة كانت لتختلف كثيراً في هذه الحالة.
سقت مثال المدير بالمرؤوس الجديد لأنها تجسد علاقة القوي بالضعيف ...علاقة من يعلم مع من يجهل ...علاقة لابد أن يشوبها الصبر والرحمة والرفق في النصح والتماس العذر وهكذا هي كل علاقاتنا الانسانية قد تكون مع من هو أضعف أو من هو أقل علماً أو مع من هو أصغر فإذا رحمنا هؤلاء فلابد أننا في تعاملنا مع من هم أقوي وأعلم وأكبر سنجد منهم المعاملة التي نرجوها.
إذن فلنعامل الناس مثلما نحب أن نتعامل به إذا كنا في أماكنهم .
فمن المستحيل أن نكون دوماً في حال واحدة ...من المستحيل أن نظل نمثل الجانب الصائب أو المخطئ دوماً فتارة نكون الخاطئ بحق الآخر
وتارة نكون من أخطأ الآخر بحقه ومن أشد الخطأ أن نظن أننا ملائكة أو أن الآخر شيطان فعندما تظن أن الآخر شيطان
فاعلم أن ظنه بك لا يقل عن ذلك وإذا كان يزعجك أن يمثلك الآخر بصورة الشيطان وتجهد نفسك في التماس العذر لتحسين صورتك فاعلم أن الآخر سيزعجه ذلك أيضاً وعنده المبرر لكنك فقط لم تسمح له بأن يريك اياه!

الأربعاء، 29 سبتمبر 2010

بين الأبيض والأسود ...الفردوس المفقود!

أتذكر هذا الفيلم الكوميدي للممثل المصري عادل إمام "الإرهاب والكباب"
أتذكره وهو يحتجز الرهائن ومن بينهم شخصاً كلما تذمر من أمر ما يقول: "في أوربا والدول المتقدمة......."
بالطبع عندما انتقلت للواقع وجدت أن أكثرنا يردد هذه العبارة أيضاً وإن لم يكن بشكل صريح بحيث بتنا موقنين بأن الغرب
هو المدينة الفاضلة التي يتحقق فيها الكمال في كل المجالات !
كلنا دوماً يرسم صورة لشئ ما ويقنع نفسه بأن فيه الخلاص من كل القيود والأعباء وبأنه الكنز المفقود و الفردوس الضائع الذي لو دخلناه لتذوقنا السعادة الكاملة التي نقنع أنفسنا دوماً بأنها تكمن في شئ لازلنا لا نمتلكه.
منذ عدة أيام شاهدت برنامج " أوبرا وينفري" وكانت تعرض فيه تقريراً عن فيلم وثائقي " waitng for superman"
ويتحدث عن بداية تدهور التعليم الأمريكي وبأنهم أمة أصبحت في خطر لبداية تدهور التعليم وبأنهم يحتلون مراتب متأخرة وسط العالم المتقدم في الرياضيات والعلوم وغيرها.
طبعاً انتابتني حالة ضحك هستيري وإذا كنت عربي أو مصري ستعرف مم الضحك!!
المهم ذيل التقرير بأن المسؤولين أخذوا خطوات جادة للنهوض بالتعليم وحل المشكلات التي صادفتهم وأدت لتدهوره.
ليس هذا هو المهم وليس المقصود هو الحديث عن الغرب ولكن المقصود هو
أنني وجدت البلد الذي رسمنا صوراً ذهنية له بأنه "الفردوس المفقود" يعاني من المشكلات أيضاً!
ولكنهم عندما عانوا من المشكلات علموا أن هذا أمر طبيعي وفكروا في حلول
ولم يفكروا بطريقة " ما هي خربانة خربانة!!!"
أو بطريقة" ياسيدي أنت في مصر ...أنت فاكر نفسك في أمريكا؟!"
خلاصة القول أننا في حاجة لأن نغير نظرة الأسود والأبيض
وأعتقد أننا نحتاج ذلك في بيئتنا العربية بشكل أكبر بحيث بات أغلبنا كشباب
موقناً بأن كل شئ في بلادنا حالك السواد ولا يوجد ما هو جيد فيها
وبأن كل شئ في الغرب ناصع البياض
إن هذه النظرة إلي الأمور عندما تستحوذعلي تفكيرنا لا ينتج عنها سوي الألم والكآبة
لأننا ربطنا السعادة بما لم نمتلكه وسلمنا بأن ما لدينا لا يمكن إصلاحه ولا الاستفادة من أي جانب مضئ فيه
لابد أن نغير نظرتنا إلي أن السعادة والكمال يكمنان فيما لم نمتلكه
فلو امتلكنا ما منع عنا وتمنيناه سنري فيه ما لم نره قبلاً من شوائب السواد
التي تعكره...نحن فقط لا نراها لأننا لا نريد أن نراها
ولست أقصد بكلامي ألا نتطلع للجيد والأفضل
ونحاول الوصول إليه.
بل أقصد أن نحاول الوصول بما في أيدينا لصورة أقرب إلي الفردوس الذي تخيلناه
بأذهاننا وتوهمنا أننا لا يمكننا الوصول إليه إذ أنه محدود بحدود الزمان والمكان والأشخاص
كم من مرة ظننت أن السعادة في وظيفة معينة حرمت منها ثم وجدت من حظي بها
يتذمر من أشياء لم ترها فيها قبلاً!
فالأبيض لابد أن تشوبه علامات الاتساخ يوماً
والأسود قد يتخلله اللون الأبيض
والمهارة تكمن في الاعتراف بوجود اللونين
في كل بلد
وفي كل انسان
وفي كل وظيفة
وفي كل شئ
إذ لا وجود فعلي للفردوس علي الأرض
بل هو موجود بشكله الكامل في الحياة الأخري في أعلي درجات الجنة.

السبت، 4 سبتمبر 2010

أين المعلم؟!

لعل واحدة من أهم مشكلات جيلنا الحالي أنه يفتقد للمعلم!
لا أقصد المعلم الذي يجلس أمامه التلاميذ في الفصل ليشرح لهم المقرر ويطالبهم بعمل الواجب المنزلي
ولا أقصد أستاذ الجامعة الذي يجلس أمامه الطلاب في المدرجات يعانون الحر والإرهاق من ازدحام يومهم
الدراسي ليخبرهم ببعض المعلومات العلمية والنظريات التي من الممكن ان تكون تغيرت وحل محلها نظريات
أخري لكن لا نزال ندرسها لأن تعديل المنهج يحتاج لتغيير لائحة الكلية!
فإذا كان معلم المدرسة أو أستاذ الجامعة بهذا الشكل فالأفضل والأدق أن نمنحهم لقب " المدرِّس".
ولكنى أعتقد أن لفظة المعلم أعمق بكثير وشاملة لمسؤوليات أكبر،، لذلك فكل معلم مدرس وليس العكس!
من النادر أن تجد من تنطبق عليه صفات المعلم ومن الأندر أن تجد من يلعب دور "المعلم" في حياتك.
لدي قناعة بأن كل منا يحتاج لمعلم في حياته ودوره يكمن في أن يغرس فيك العلم(بمعناه الواسع) ويعرف
قدراتك ويخرج منك أفضل ما لديك.
دوره يكمن في أن يشعرك بأنك انساناً وأهم ما يميزك هو العقل.
دوره يكمن في أن يجعلك تفكر وتناقش.
دوره أن يعلمك القيم .
دوره أن يجعلك مبصراً أكثر بذاتك وبمواهبك وكيف تستغلها.
دوره أن ينير لك الطريق إذا اشتد الظلام من حولك .
غالباً ما نشعر باحتياجنا للمعلم إذا أصبحنا شديدي الحيرة وهذا هو حال الغالبية من الشباب الآن.
الوضع أصبح شبيهاً بطريق مظلم به العديد من الحفر التي تهلك كل من يسلكه ثم جاء شخص ومعه
مصباح لكنه لم يعلم أنه يمتلكه ولم يجد من يعلمه يوماً كيف يضيئه !
الطريق والحفر يجسدان تحديات و مشاكل الحياة والشهوات والفتن ،،، والمصباح هو ما نمتلكه بداخلنا
من كنوز أودعها الله فينا كي نقاوم ذلك كله،،، قد يكون الإيمان
قد يكون المواهب والقدرات
قد يكون قوة الارادة
قد يكون العلم بأحوال السابقين وكيف نتجنب أخطاءهم لننجو.
أحياناً كثيرة نحتاج لمن يذكرنا بأننا نمتلك المصباح والأهم أن يعلمنا كيف نضيئه وكيف نمنع
انطفائه بفعل الرياح!
وهنا يكمن دور المعلم الحقيقي.
في عصرنا هذا قد نستقي المعلومات من أي مصدر لأن الحاجة للمعرفة طبيعة بشرية متأصلة
وغالباً الأقرب هو الشبكة العنكبوتية
تجد بعضاً من الشباب ممن لم يجد المعلم في حياته يستقي معلوماته الدينية من الانترنت وغالباً
ما ينجرف أغلبهم لتيارات الارهاب والتطرف الفكري والديني والتكفير وربما الوهابية أو الشيوعية
أو العلمانية لأنه أصبح صيداً سهلاً لأفكار مسمومة .
لو وجد هذا الشباب معلماً حقاً ما اضطروا لأخذ النت شيخاً لهم!
هذا مجرد مثال وفي حياتنا المعاصرة أمثلة عديدة لا يتسع المجال لحصرها ولكن لا مانع من
ذكر هذا المثال أيضاً:
فكثيراً ما تطالعنا الصحف بأن مجموعة من الشباب قرروا أن ينضموا لجماعات لها افكار شاذة كعبدة الشيطان
أو كمن يفعلون طقوساً غريبة كسماع موسيقي غربية صاخبة وووضع أوشام معينة واطالة الشعر وجعله
يخفي وجوههم إلي غير ذلك من الأشياء التي تنذر بفقدان عنصر مهم من الأمة لضياع دور المعلم.
الانبياء كان لهم معلم ،،،كان جبريل يتنزل عليهم وكان يدارس نبينا عليه السلام القرآن.
الفلاسفة كان لهم معلم،،، أفلاطون كان يدارسه سقراط.
كل العظماء كان لهم معلم،،،الاسكندر المقدوني كان له معلم.
محمد الفاتح الذي فتح القسطنطينية كان له معلم شجعه علي أن يكون القائد الذي أخبر النبي عنه أنه
يفتح القسطنطينية .
الأئمة في الفقه كان لكل منهم معلم يطلب العلم علي يديه.
قديماً كان هناك ظاهرة "الكتاب" بضم الكاف وتشديد وفتح التاء كان يذهب إليه الطفل ليحفظ القرآن
علي يد شيخ "معلم".
في هذا العصر سر نجاح بعض المجددين أنهم يلعبون دور المعلم الذي يستمع لتلميذه ويتواصل معه
ويشجعه علي أن يستغل مواهبه وقدراته
في مواجهة الحياة ومن أمثلتهم "عمرو خالد" علي سبيل المثال ولست بصدد أن أتناقش مع احد حول
اتفاقه أو اختلافه علي شخصيته ولكن لننظر إلي جانب معين انه استطاع أن يلعب دور المعلم ويتواصل
مع الشباب عن طريق الشبكة العنكبوتية وأحياناً بشكل شخصي واستطاع بالفعل ان يخرج من الشباب
أفضل ما لديهم وتواصلهم معه بهذا الشكل دليل علي عطشهم للمعلم .
لم أكتب هذا الموضوع لأن عندي حلاً اطرحه ولكنه كتبته لأقول:
حقاً متعطشة لمعلم!