الجمعة، 20 مايو 2011

ضحكات شمعية!

لم تكد ليلتي الثالثة تمر في هذه الغرفة بعد عملية جراحية طويلة حتي رأيتها بوجهها الأسمر الباسم الذي تبدو عليه علامات الإرهاق واقفة أمامي تعرض مساعدتي في النهوض لتناول العشاء الذي ظل قابعاً في مكانه لساعات. أومأت بعيني مبتسمة ويبدو أنها كانت قد أنهت ما أسند إليها من مهام بعنابر وغرف المرضي فجلست إلي جواري تحاول أن تخرجني من حالة الألم والقلق والوحدة .

لم تمض سوي دقائق معدودة قبل أن تنجح في جعلي أضحك وبشدة من فرط روح السخرية والتنكيت " والمرح التي تمتلكها .تكررت زيارتها لغرفتي بحكم عملها بالمستشفي وتكررت أحاديثها الممتعة وتعليقاتها الأكثر متعة للدرجة التي كانت تدفع كل من بالقسم من مرضي وممرضات للضحك بمجرد رؤيتها،وللدرجة التي كنت أشعر معها بالألم الجسدي أحياناً من فرط الضحك!

في إحدي الليالي وبعد أن عرفت بعضاً من تفاصيل حياتها المؤلمة بكل ما تحويه الكلمة من معني وجدت نفسي أتساءل هل تحترق الشمعة لتضئ؟ أم تضئ لتخفي آثار احتراقها وتظل صامدة منيرة بكل كبرياء حتى آخر ذرة منها؟ وقتها أدركت أن سخريتنا التي نشتهر بها كمصريين وضحكاتنا لم تكن في كثير من الأحيان سوي ضحكات شمعية!

مجرد حالة!

أحياناً نتعلق بشئ رسمناه في خيالنا ووضعنا له مواصفات الكمال وأقنعنا أنفسنا بأن سعادتنا مرهونة بتحقيقه

وكل يوم يزداد تعلقنا به ، وفي خضم الأحداث نتناسي أنه لم يكن إلا مجرد" حالة" خلقناها في أذهاننا

وأخذنا نكررها حتي توهمنا أنها حقيقة ، و ننسي أن هذا الشئ يختلف كثيراً في حقيقته المجردة وصورته الواقعية

التي فضلنا أن نغض الطرف عن تقييمها بحياد واقعين في ذلك تحت تأثير هذا التعلق والرغبة في ايجاد الفردوس المفقود

في حياتنا ، وبمرور الوقت نكتشف أننا أضعنا وقتاً طويلاً تحت هذا الأسر ، وعندما نكون مطالبين بفك القيود

والتحرر من إمرة هذا التعلق تتملكنا مشاعر متضاربة بين: الحزن علي قصور من التمني بنيناها في الهواء ،وبين بقايا آمال

تأبي أن تغادرنا ربما تستمد قوتها من هذه السعادة التي كان يمنحنا إياها مجرد مرور هذا الشئ علي أذهاننا...

فنكون وقتها مثل المدخن المدمن عندما يكون مطالباً بالإقلاع يكون مشتتاً بين نوعين من المشاعر : نوع يحثه علي الإقلاع

من أجل بدأ حياة جديدة والتخلص من أسره وقيوده ، ونوع يطالبه بالاستمرار خوفاً من فقد السعادة التي كانت تعطيه

إياها سيجارته!

لعل هذا الموقف هو الوحيد الذي تلام فيه الضحية لا الجلاد لأننا ببساطة من اختار وبملء إرادته أن تلف القيود

حول عنقه لأننا كنا نراها عقوداً من اللؤلؤ لا قيوداً ستكبلنا في حياتنا .