الأحد، 24 يوليو 2011

طي النسيان!

بعض الأعمال الأدبية من كتب وروايات أو حتي التليفزيونية تجبرنا علي التوقف أمامها فنجدها لا تمر علينا مرور الكرام ربما لأن
مضمونها قد مس شيئاً عميقاً بداخلنا سواء عن قصد من الكاتب أو المؤلف أو المخرج أو بدون قصد.
أحد هذه الأعمال هو فيلم أمريكي يحمل اسم
(The forgotten)
أو المنسِي وهو فيلم خيالي تدور أحداثه باختصار حول مجموعة من الكائنات الفضائية متمثلة في صورة بشر أرادوا دراسة حياة البشر
وطبيعة عواطفهم وعلاقاتهم الانسانية فقاموا باختطاف عدد كبير من الأطفال من أهليهم وفعلوا شيئاً بحيث استطاعوا أن يمحوا ذاكرة
الأهالي المتعلقة بأبنائهم فنسي كل أب وكل أم أنهم كان لديهم يوماً هذا الطفل ! إلا أم واحدة بعد أن نست طفلها عاودتها الذاكرة شيئاً
فشيئاً لتتذكر ابنها وتفاصيل حياته معها والذكريات التي جمعتهما في أحسن اللحظات وقررت أن تقاتل وباستماتة من أجل ايجاده وفي
نهاية الفيلم عندما اقتربت للغاية منه حذرها المختطفون كثيراً ووقف أحدهم يقول لها: فقط انسيه وسيكون كل شئ علي ما يرام ولن
تعاني أنت ولا هو ... وتصر الأم علي عدم الاستسلام رغم ما سببه لها ذلك من مشاكل وإيذاء فلم يجد المختطف بداً من أن يبدأ بمحو
ذاكرتها فيسألها ما اسمه ؟ فتجيبه فيتابع الأسئلة : ما لونه المفضل ؟ متي عيد ميلاده ؟ إلي غير ذلك من الاسئلة ومع كل سؤال كانت
تشعر بأن ذاكرتها تتشوش ولم تعد تتذكر أغلب التفاصيل عن ولدها وهنا تصرخ وبكل قوة : أرجوك لا تفعل هذا بي. وتقاوم وتقاوم
كي لا تنمحي ذكرياتها وفي النهاية ومع اصرارها يأس هذا الشخص وعادت لها ذاكرتها وعاد كل الأبناء المختطفون إلي أهليهم
لينتهي الفيلم بنظرة من المختطف للأم تجمع بين الحيرة والتقدير تتساءل في طياتها عن ماهية هذه الأم المختلفة التي استطاعت
الصمود رغم كل هذا دفاعاً عن ذكرياتها.
في أوقات كثيرة يطلب منا البعض أو الحياة أن ننسي أفضل ذكرياتنا ونعتبرها فقط جزء من الماضي حدث لوقته وانتهي وعندما
يُطلب هذا الطلب فإنه يكون بمثابة طعنة تتوجه إلي إنسانية كل منا ، فأهم ما يميزنا عن غيرنا من الكائنات هو المشاعر ...مشاعر
الحب والرحمة والكره والحزن والأمل واللهفة والتمني وغير ذلك ...مشاعر خلقتها ذكريات كل منا مع أماكن وشخصيات سواء
أحببناها أو كرهناها ...لا يهم ..المهم أن هذه الذكريات تظل هي الجنة التي نفر إليها أحياناً من نيران الوحدة
وهي الماء العذب التي نروي به ظمأ الحنين.
وهي مصابيح النور التي تنير ظلام الافتقاد.
وقد تكون متنفسنا ولو لبعض الوقت نستشق فيها بعض الهواء النقي إذا افتقدناه في حاضرنا.
إنني أعجب ممن يطلب منا أحياناً أن ننسي ، ولا نظهر تأثراً لفقدان أو مفارقة ولا نشعر بالافتقاد أو الحنين ونكون فقط كإنسان آلي
معدم المشاعر يستسلم في صمت لمرور الزمان ويسلمه في تهاون أجمل اللحظات وأفضل الذكريات وأجمل الأماني من أجل فقط أن
أنها أصبحت جزء من الماضي ، ولست أنادي بالثبات في عالم الماضي وعدم التحرك نحو المستقبل أو عيش الحاضر فمن يفعل ذلك ليس بعاقل أيضاً
لكن هناك أشياء وأمنيات وأشخاص وأحداث في الماضي حتي وإن تجاوزناها بأبداننا فمن حقها علينا أن تظل راسخة في قلوبنا
وذاكرتنا إكراماً ووفاءً لهذه الأماكن والأماني والأحلام أو الأشياء أو حتى الأشخاص كما فعل النبي صلي الله عليه وسلم مع زوجته
خديجة رضي الله عنها إذ ظل يذكرها حتي بعد وفاتها بوقت طويل ، ويكون من الإجحاف أن يطالبنا البعض بمحوها تماماً وكأنها لم
تكن !

الاثنين، 11 يوليو 2011

لعادوا !

ربما لم يكن الموضوع الأساسي لحديثي مع إحدي الصديقات متعلقاً بمبارك أو غيره ولم تكن النية هي التعمق في أي شأن سياسي إلا أن جملة قالتها عفواً استوقفتني كثيراً.

كان حديثنا متمركزاً حول أن الشعب بعد الثورة يريد وجوهاً جديدة ليشعر بأن هناك تغييراً قد حدث بالفعل سواء كان ذلك علي مستوي انتخابات الرئاسة أو مجلس الشعب أو النقابات أو قيادات الجامعات أو غير ذلك

فقالت: ولكن ألا يتغير الناس بتغير الظروف المحيطة؟ أري أن حتي مبارك وحزبه لو عادوا الآن بعد الثورة فمن المؤكد أن تصرفاتهم وسياساتهم ستتغير كثيراً وبناء علي ذلك فما المانع من أن نمنح أي وجه قديم الفرصة لتغيير تصرفه تبعاً للمستجدات حوله الآن؟

قاطعتها بحسم : لا، لن يتغيروا . ولا أدري لم تذكرت الآية الكريمة : بسم الله الرحمن الرحيم :" بل بدا لهم ما كانوا يخفون من قبل ولو ردوا لعادوا لما نهوا عنه وإنهم لكاذبون" سورة الأنعام 28

في اعتقادي أن هذه طبيعة بشرية نشترك فيها جميعاً وليس الطغاة والديكتاتوريين فقط :دوماً نعتقد أننا لو عدنا لما منع عنا فسنتصرف فيه بشكل مثالي ولن نقع في الخطأ . لكن هذا ليس صحيحاً بالمرة ... إذا عدنا فسوف نحاول إثبات أننا لم نكن علي خطأ حتي نهرب من تأنيب ضمائرنا ،وتدريجياً سنعود لما كنا عليه وربما أسوأ لأن وقتها قد نلجأ للانتقام ممن أرونا من أنفسنا ما أنكرنا دوماً أنه فينا لأنه لم تكن لدينا الشجاعة الكافية لتحمل ألم مواجهة الذات .

وليس معني كلامي أنه لا مجال لتغيير السلوك الإنساني و إلا لما كان هناك الندم والتوبة .ولكن هذا يحدث فقط عندما يكون الشعور باقتراف الذنب نابعاً من ضمائرنا ، عندما تكون نية التغيير نابعة من الداخل للتخلص من ألم الذنوب وللتخلص من بشاعة صورتنا التي رأيناها في مرايا الصدق والتجرد ولو للحظات .عندها فقط نستطيع القول بأن الشخص من الممكن أن يتغير ليتخلص من هذه المشاعر ولينعم بسكينة التطهر .

والفرصة لفعل ذلك بصدق مرهونة بوقت محدد وعلامة فاصلة قد يجدي التغيير قبلها نفعاً أما بعدها فلا قيمة لأي ادعاء بالتغيير.وهذا ما قاله الحديث الشريف:" إن الله يقبل توبة العبد ما لم يغرغر" . لأن بعد هذه اللحظة لن تكون إرادة التغيير نابعة عن اقتناع بل ستكون للتخلص من العواقب مثلما قال فرعون وهو يغرق : "وجاوزنا ببني إسرائيل البحر فأتبعهم فرعون وجنوده بغياً وعدواً حتي إذا أدركه الغرق قال آمنت أنه لا إله إلا الذي آمنت به بنو إسرائيل وأنا من المسلمين * ( آالآن وقد عصيت قبل وكنت من المفسدين. سورة يونس 91

أما عندما تنكشف العورات أمام الجميع فهذا ليس بالأمر الهين لمن اعتاد الكبر دوماً ولم يعترف يوماً بأنه ارتكب أي خطأ في حق نفسه أو ربه أو بلده أو غير ذلك ووقتها تكون الرغبة في نفي تهمة الخطأ أكبر من محاولة فعل الصواب لأن ألم انكشاف العورات والانهزام أمام الملأ أكبر بكثير من ألم رؤية الصور المشوهة أمام الضمائر.

لذا لو لم يتغير الداخل عن قناعة

ولو لم يتجرع الآثمون مرارة الشعور بالإثم فصدق القرآن في وصفه:

لعادوا.

والآن ..هل تصلح هذه النظرية لتفسير " كلاكيت .....مرة " الذي تعرضت له مصر بعد الثورة في ماسبيرو ومحمد محمود والتحرير وشارع مجلس الوزراء؟