لم تكد ليلتي الثالثة تمر في هذه الغرفة بعد عملية جراحية طويلة حتي رأيتها بوجهها الأسمر الباسم الذي تبدو عليه علامات الإرهاق واقفة أمامي تعرض مساعدتي في النهوض لتناول العشاء الذي ظل قابعاً في مكانه لساعات. أومأت بعيني مبتسمة ويبدو أنها كانت قد أنهت ما أسند إليها من مهام بعنابر وغرف المرضي فجلست إلي جواري تحاول أن تخرجني من حالة الألم والقلق والوحدة .
لم تمض سوي دقائق معدودة قبل أن تنجح في جعلي أضحك وبشدة من فرط روح السخرية والتنكيت " والمرح التي تمتلكها .تكررت زيارتها لغرفتي بحكم عملها بالمستشفي وتكررت أحاديثها الممتعة وتعليقاتها الأكثر متعة للدرجة التي كانت تدفع كل من بالقسم من مرضي وممرضات للضحك بمجرد رؤيتها،وللدرجة التي كنت أشعر معها بالألم الجسدي أحياناً من فرط الضحك!
في إحدي الليالي وبعد أن عرفت بعضاً من تفاصيل حياتها المؤلمة بكل ما تحويه الكلمة من معني وجدت نفسي أتساءل هل تحترق الشمعة لتضئ؟ أم تضئ لتخفي آثار احتراقها وتظل صامدة منيرة بكل كبرياء حتى آخر ذرة منها؟ وقتها أدركت أن سخريتنا التي نشتهر بها كمصريين وضحكاتنا لم تكن في كثير من الأحيان سوي ضحكات شمعية!